مذكرات ميت (4) رسالة إلى الله

 

أمسكُ القلمَ ويديَّ ترتجفان، ونّزفُ قلبي باذخُ بارتجافةِ المتأمل برحمةِ ربه، أتفرغُ من كل ما حولي إلا من ألمِ شعبٍ وبواكيهِ بينَ أجسادِ موتاه.

أمسكُ القلمَ، ويقيني بأن الله هو السميع لا يفارقني، ففي زمنٍ قد تناهت الأذان عن السمعِ، ليس لي سوى الله من سميعٍ مهما كبرت همومي وأوجاع أرضي، فهو الله الواهب من رحماته مدادًا وحبًا.

إلى الله ربي أكتب:

(أكتبُ ليسَ منكرًا، بل متيقنًا بسماعكَ ياربُ صوتَ الأنينِ في قلبي، أكتبُ مقبلًا طامعًا بعطفكَ، مستجيرًا بكَ بكل ما أستطيع، بصوتي الظاهر، وصوتي الباطن وهزيجُ الحبرِ فوقَ سطوري، بضعفي كله، ويقيني كله، بصمتي، وصراخي، وتعبي، وبكائي، وأوجاعِ الأرضِ التي تضعضعتْ قهرًا من جثثِ أبناء أمتي وبلدي.

أكتبُ وجسدي كلهُ فوقَ كرسي الحافلةِ يرخي استسلامهِ، ليمضي بينَ الطرقات يقضي أمري ومهامي، وفي أصقاعٍ بعيدةٍ من وطني لا يجدُ الجريحَ عربةً تُقلهُ إلى طبيبهِ وطبابتهِ تشيفهِ أو تشرفُ على موتهِ فيهنأ ويستريح، أبصرني بعدلكَ يا الله، وامنحني قدرةً أكبرَ من ضعفي الذي أنا بهِ، لأرى ما يريحَ قلبي، أراهُ عينَ اليقينِ لا يقينًا وحسب.

أكتبُ إليكَ ربي يقينًا أنكَ السامع السميعُ المانحُ، وأنا أنظرُ البردَ خارجَ النافذةِ، بردٌ أراهُ ولا أشعرهُ، فالدفء الناتجُ عن تدفئةِ الحافلة يلغي شعورَ البردِ وتوابعه، لتتدافعَ الراحةُ في جسدي كتدافعِ الحياةِ في نبتةٍ كَبُرت لتوها، أستشعر هذا، وفي زاويةٍ شحيحةٍ من رحمةِ البشر يموتُ الطفلُ جوعانًا للدفءِ ناسيًا جسدهُ معنى الرذاذ الحسن من الشعور الطيب والجميل، يموتُ من غُصةِ البردِ وقذارةِ الجو وفيضانِ الذُل ووساخةِ الشعورِ لدى الكثيرينَ من البشر.

ياربُ إني أضعفُ من أن أستطيعَ الموازنةِ والفهم لهذه الحياةِ، أنا أضعفُ من الضعفِ في وجعي هذا، أبصرني وامددني منكَ بغيثٍ يعينني على الوعي والفهم للمعادلة الصعبة لهذا الكون، لأفهم مدى القدرة التي يستطيعها إنسيٌ في القتل والخراب لأجل طمعٍ وغنيمةٍ زائلةٍ.

ياربُ الحقٌ قائمٌ ما دامت عظمتكَ، ويقينًا لا زوالَ لصفاتكَ وجلالكَ وعطائكَ، ياربُ إن سار بنا الركبُ نرى ما نرى، ونتألمُ وحسب، ونبكي لما يجول الأرضَ من خرابٍ وقتلَ، لن يكونَ هذا إلا شراكةً بهذا الخرابِ، باستحضارِ ضعفنا وعجزنا بتلكَ الدموع، وخلقِ حجة للصمتِ عن كل الكائن من هذا الموت.

قوتنا التي نريد أن ندعوكَ بمنحنا إياها، هو أن نزدادَ يقينًا لا بكاءً ولا عجزًا، أن نعي دورةَ الدائرةِ وصفاتَ هذا الكونِ وشروطه، ياربُ امنحنا اليقينَ عينًا لنعي كيفَ علينا أن نخلقَ من صراخِ الثكلى حياةً، ونزينَ بدمِ الأطفالِ جبينَ الصبرِ ودعائنا المرفوع لكَ.

ياربُ إني أمسكُ القلمَ نداءً ودعاءً، أمسكهُ وكل الصور تتقلب في مخيلتي، بينَ الكائن من خرابٍ في بلادي، وبينَ ما كان من مجدٍ وحب، أمسكهُ لأكتبَ بهِ دعائي واعترافي بذنبي الذي اجتمعَ مع ذنوب بني جنسي لتصرخَ فينا الصرخات وتحيلَ زمان الحب إلى زمان يحفهُ الخراب، اللهم امنحنا قدرةً على الوعي والفهم وقدرةً على التغيير انطلاقًا من أنفسنا، رحمةً بالمحرومينَ وحبًا للمستضعفين).

الحبُّ بكيمياءٍ إلهية

حسنًا لن أبتعد كثيرًا عن فحوى المواضيع التي أكتبها، وسأعاود الكتابة عن الحب، الحبُ الذي نبتاعهُ أكثر من الخبر في عوالمنا الافتراضية وواقعنا المنسي، الحبُّ الذي يوجد بالشكل الذي لا يجب أن يكون عليه، الحبُّ الذي وإن وجدَ أصيلًا علينا أن نغرقهُ لنعيدَ تواتره لنحيا في إنسانيةٍ وجمال دفاق.

أحاول أن أكتبَ عن اللحظة التي تسبق هذا الحبَّ، وتحديد صيغَ المعادلات التي ستقود إلى تفجره بالصورة المتوازنة لضرورة وجوده، أحاول أن أخلق صيغًا لأمر لا يفضل أن يأتي وفقًا لمعادلات أو تراكيب معينة، لكن ضرورة الصورة المشوهة دفعتني لأكتب:

تخلقُ النظرةُ الأولى انطباعًا صوريًا دفاقًا في عمق العقل البشري، لتتشابكَ وتتسع وتهدأ في خيالات البشرِ المتقدةِ والمحركةِ للشعور الأول في صلبِ الإحساس الإنساني، ليكونَ للنظرة أثرًا ليس هينًا في خلق الأرض والمساحة الممكنةِ للحب، وبصورة أعمق فإننا نحتاجُ لدافعية كبيرة ليولدَ الإحساس فينا، هنا بالمشهد التقليدي أتحدث عن النظرة، ولكن في عوالمنا المتقلبة قد يدفع الحرفُ كما يدفع الصوتُ كما يدفع الإنجازُ الشعورَ للولادة بالقدرة نفسها لخلق المساحة الممكنة لاستمرار دورة الحب وخلقه، وهكذا ينبتُ الشعورُ في دواخلنا ككيمياءٍ بدأت تتسللُ في حنايا أوردتنا لننتقل إلى مرحلة أخرى، إما تفشي هذا الشعور وسيطرته، أوموتهِ بصورة لذيذةٍ لا تؤذي، فردود الأفعال هنا هي الضابط لهذه المرحلة فبينَ فعلٍ وردةِ فعل تبدأ هذه الكيمياء بالنضوجِ بالنمو والإثمار، وهنا تغزو صفةُ الرغبةِ وتبدو على هيئة تعقبٍ لا إرادي من القلب والجوارحِ لكل صاحب أثر تسبب بولادة الشعور، وتدريجيًا وإن بدا التعقب من الطرف المقابل أيضًا سيعلو التنهيد في هذا التعقب ليصبح اهتمامًا ذو جهتين، ليسقي غراسَ الشعور الأول وينميه، وهنا أحرجُ المراحلِ وأكثرها دفئًا فهي المقود إلى اشتعال الفتيل في الحب واتقادِ نوره.

إن انتقاص أي جزء من قيمته في كل المراحل سيكون سببًا في الخلل القادم في صيغ الحب، وليكون قدرة الحب كبيرة على الاستمرار يعود الاهتمام في صيغٍ مختلفة ليغلف سلسلةَ الحبِّ ويروي غراسها.

هذا في صورة الحب الإنساني، والمتناقل بينَ روحيةِ الإنسانِ وبني جنسه، في صورة الحب الأصل تختلفُ كلُّ التراكيب والمعادلات، لأن علّة الصلةِ بينَ الإنسان وربهِ هي الحبُّ ذاتهُ، لا سبب ولا مسبب أخرَ لفحوى هذه العلاقة، وبابُ الحب الإلهي مفتوحٍ لا يُغلق، لا يحتاجِ لردةِ فعلٍ أو فعل بذاته، فهو أصيلُ بعمر الخلق الإنساني ووجوده، فإذا أذنب العبدُ رأى باب الحب والرحمةٍ ينتظره، وإذا أحسن فيغمرهُ الحبُّ أيضًا، والصورة التي أودُ أن أرسخها هي نسف كل المعادلات والتراكيب وإعادة حلول صورة الحب الإلهي وسمته الحقة في حبنا، بينَ أرواحنا نحن البشر، ليعودَ الفرع إلى الأصل بكيمياءٍ إلهية مباركة.

 

الكتابة بينَ الضرورةِ والشفاء

أحاولُ أن أستقي علّةَ للكتابة، أنبشُ كل دهاليزَ فكري، لأرى سبباً واحداً، يجبرني على هذا الكم منها-المعلنة والخفية-.

مكرراً في ذهني أن الأشياء لا تحدثُ صدفة، إنما الصدفة هي مصطلح يعبر عن حدوث شيء ما من دون أن نلاحظ أو ندرك السبب المسبب له.

أعودُ في العصور إلى الوراء متخفياً بثوب باحث، لأرى صور الكتابة الأولى ودوافعها، وألاحظ بذورها تنبتُ في القرن الخامس قبل الميلاد، بدأت على الألواح الطينية وسميت بالكتابة المسمارية، نسبة للأداة المستخدمة بها، حتى توالت القرون وأخذت أشكالاً عديدة من التطور مع اختراع الورق والطباعة.

إذاً ..

بدأت الكتابة كصورة من صور التواصل الفكري و الثقافي و المجتمعي للإنسان، ليحفظ بها تراثه ونتاجه الفكري و الحضاري عبر الأزمان والعصور، ليأخذ السبب الأول والدافع نحو الكتابة، جسدَ الحاجة لبناء تلك الفسحة وضرورياتها.

وبالنظر العام على الخط الزمني للكتابة نرى أن بعد سبب “الحاجة” إنتقلت الكتابة أو غايتها وسببها إلى أشكال عديدة تختلف تبعاُ لنظرة الكاتب لها وضرورياته الروحية وارتباطه بها، وهذه الصور التي تحمل هذه الأسباب هي ليست بالبعيدة عن أزماننا وعصرنا هذا، فقد رأت أحلام في روايتها “ذاكرة الجسد” أن الكتابة هي دواء عدم الشفاء من الذاكرة وحصونها المتعبة، فلا مفر لحدود الجسد والروحِ عن ذاكرةٍ عاشها وهي تلاحقهُ سوى بالكتابةِ شفاءً ودعاءً بالخلاص، فالكتابة هنا تصبح شفاء لداء الذاكرة المزمن بالأوجاع، حتى أنها شبهت فعل الكتابة بالموت كصورة عميقة للمشهد الكتابي:

 

قبل اليوم، كنت أعتقد أننا لا يمكن أن نكتب عن حياتنا إلا عندما نشفى منها، عندما يمكن أن نلمس جراحنا القديمة بقلم، دون أن نتألم مرة أخرى، عندما نقدر على النظر خلفنا دون حنين، دون جنون، ودون حقد أيضاً. 
أيمكن هذا حقاً ؟ 
نحن لا نشفى من ذاكرتنا، ولهذا نحن نكتب، ولهذا نحن نرسم، ولهذا يموت بعضنا أيضاً “

 

أما الدكتور أيمن العتوم فقد صنف الكتابةَ بهيكليةٍ شفافة، حيث جزأها في روايته “صاحبي السجن” تحت مجهر قلمهِ، وأختص بالحديث عن شعورها، مصنفاً إياه في سلسلة المتع الأعمق على المستوى الحسي الإنساني لتكون شفاءً من الحالة الشعورية التي تلتصق بالكاتب وترواده عندما تعوم فكرة ما في خلجات جوفه وصميمهِ الإدراكي، وهنا تبرز “الحاجة للشفاء” أيضاً كعلة للكتابة بشكل واضح:

” شعور الراحة بعد الكتابة شعور أصنفه في الدرجات الأولى من المتع الحسية، وكأن الحالة الشعورية داء خفي يمزق جوارح المبدع، فإذا الكتابة شفاء هذه الحالة، أليست الكتابة شفاء ؟؟؟ “

ليتابع بعد هذا نظرته المجهرية، ويحول نظرنا نحو علّة الكتابة التالية للعلّة الأولى، وهي ولادة الفكرة بالصورة الأكثر ضرورة وحضوراً لدى المتلقي، لتكون الكتابة هي المخاض الذي سينجي الفكرة وينقلها إلى حيز الحضور، وهنا نلخص العلّة تحت عنوان الضرورة، فتشبيهه للفكرة على أنها هم ثقيل لابد أن تولدَ لتهدأ روح الكاتب ووجدانه يدعم هذه العلّة:

” وكأن الكاتب يحمل آلآم الأفكار الثقيلة في حسه ووجدانه وتظل تهيج به وتقلقه فاذا ولدها أصابته الراحة الكبرى…أليست الكتابة ولادة ؟؟ “

 

وفي نص يلهب بالنصح بالتوجيه وبالإيضاح المفعم بالخطاب عن مسؤولية الكتابة، نسخ الكاتب محمد الضبع، نفيراً عاماً على كل كاتب أومحاولاً للكتابة بألا يقرب هذا الفعل مالم يكن الفعل نضحاً من صميمه إلى خارجه، وما لم يكن للحروفِ نبضٌ هستيري ممزوج بروح الكاتب وتفاصيله جمعاء، فكتب:

“إن لم تخرج منفجرة منكَ، برغم كل شيىء، فلا تفعلها.

إن لم تخرج دون سؤال من قلبك و عقلك و من فمك و من أحشائك، فلا تفعلها.

إن كان عليك أن تجلس لساعات محدقاً فى شاشة الكمبيوتر أو منحنياً فوق الآلة الكاتبة باحثاً عن الكلمات، فلا تفعلها.

إن كنت تفعلها للمال أو للشهرة، فلا تفعلها.

ن كان عليك الجلوس هناك و تعيد كتابتها مرةً بعد آخرى، فلا تفعلها.

إن كان ثقيلاً عليك مجرد التفكير فى فعلها، فلا تفعلها.

إن كنت تحاول الكتابة مثل شخص آخر، فإنس الأمر.

إن كان عليك إنتظارها لتخرجُ مدويةً منك، فإنتظر.. بصبر .

و إن لم تخرج مدويةً منكَ أبداً، فافعل شيئاً آخر .”

ليعود مكملاُ متابعاً صراخهُ ومؤكداً أن فعل الكتابة تلقائي الحدوث، جوهري المنشأ، له خطاه التي تقود الكاتب في المعالم والعوالم، وتسعفه بين الصور والتراكيب ليبني أفكاره وبناه وآفاقه:

“…… إذا كنتُ مختاراً، ستحدثُ الكتابة من تلقاء نفسها، و ستستمر بالحدوث مرة بعد آخرى، حتى تموت، أو تموت هى داخلك، لا توجد طريقة آخرى، و لم توجد قط.”

ومن صميم الحاجة و الضرورة نستدل على علّة المسؤولية التي يوجبها فعل الكتابة، لا يستطيع من يُقدم الحاجة أو يتقمص فعل الضرورات أن يتملص من مسؤولياته في تقديم هذه الحاجات وفي التزام الضرورة عند أداء الفعل.

وبعيداً عن التحليل النمطي أو السببي لفعل يلازم الروح في جُل ولادته ونضجه أرى أن الكتابة عمرٌ وحياة، فنحن نكتبُ باعترافاتٍ مبهمةِ وبإمضاءٍ على أجسادنا، نكتبُ ونجاورُ أرواحنا لندفع في تقسيماتها معنى الحياة، نكتبُ بالصمت أوجاع عمرٍ مضى، وبالصراخ أفراحاَ لم تُخلق بعد، ونعيشُ بفواصل حروفنا الحب دونَ أي ذنب أو خطيئة.

الكتابةُ دمعٌ لا يضاهيهِ دمع، وطمأنينةُ في الروح ولذةٌ في القلب، نحن نكتبُ لأننا أطفال ولأن الحد الذي يفصل بينَ المعاني قد نُحر، ونكتب لأن الدموعَ أبت إلا أن تُذرفَ حروفاً.

وضعتُ نقطةً، وأنهيتُ الكلمات، طويتُ الورقةَ وخبئتها في جوفِ الكراكيب التي تغطي مكتبي، لأتيقن أن العلّة التي تدفعني للكتابة هي: أن الحياة تنبضُ بالحروف، وتوارثنا للنبض الشهي والمشتهى في الحروف لن يكونَ إلا بالكتابة.

دفءُ الصدى

تَعِبَ التعب، بلا تنهيدٍ،
تَعِبَ المكان من الكلامِ،
تَعِبَ الإنتظار، اخضوضرَ الحرفُ، وانقتل!
استراحَ الشغفُ على كتفِ الشفاهِ،
أطّلَ القولُ، بالحياءِ اكتسى،
الأحداقُ تنتظرُ بوحاً، وخفقاً بالحب ارتوى،
تَعِبَ التعب، بالصمتِ الثقيل،
غارَ المكانُ في خفقةِ البصر،
حنَّ الفراغُ، رأفةً بالحب الشفيفِ رأفةً بالنعناعِ.
النعناعُ على حافةِ اللحظةِ هدأ،
استرقَ الكلام من فم العاشِقَينِ،
استرقَ ضوءَ القمر.
تَعِبت مسامعنا، من صَخبِ الصمتِ،
من وجعِ الأفولِ خلفَ الشجن،
تَعِبَ التَعَبُ، بلا دليلٍ،
تَعِبَ الحضورُ من غيابِ الكلام،
تَعِبَ الضوءُ من حضن القمر،
والعاشِقَانِ، يحضنانِ الوقتَ بشوقِ الحبِ،
يعانقانِ البوحَ خوفاً من القدر.
تَعِبتْ طاولةُ الحوارِ، لأن الفراغَ في ركنها سَكن.
في رعدةِ الإنحسارِ!
تتخطا هُدهدةُ الأرواحِ قاعها،
يعلو الكتم، يحدقُ في العدم،
صوتُ العناقِ يفرُ من حنجرةِ النغم،
يكسُرُ هدأةَ الكلام، ويصرخُ:
أحبكِ، على الرغم من ومن ومن
هنا!
ينحني الضوءُ، تتكسرُ النسمة، تخجلُ النعناعةُ،
لدفء الصدى، لعمقِ البوحِ في رحمِ الغرق.
نقطةٌ، بعدها يشنقُ السلامُ وتتعبُ القصيدةُ
وتصمتُ من شدةِ الوجع.ُ

 

 

أشلاءٌ،غصنٌ ووطن

يقفُ بسلامٍ مبتلَ الجبينِ، بكلِ القهرِ الذي يملأ أغصانَ الوطن، يقفُ حائراً بينَ ملامحِ بيتٍ، قد تربع في ذهنه طوال تلك السنين، و بين مشهدٍ أقربَ إلى الخيال، هو يقف بكل لهفتهِ ليس بحثاً عن ركنٍ أو كتابٍ كان يُفرطُ في إثراءِ عزلته، أو بحثاً عن مكتبته، التي تناثرت الفوضى بين جنباتها حد الإنتظام، هو لا يبحث عن شيء، بل ! هو يقفُ ليرى بضعَ أشلاءٍ من فلذةِ كبدهِ بينَ الركام.

ليطمئن بها أنَّ ابنهُ يرقدُ بسلام.

391524_458147674220164_1705299143_n

فوهةُ الموت

ترامتني الأهاجيسُ إلى فوهةٍ من الموتِ . أجلسُ بينَ براثنها و أحتسي كوباً من التهكمِ و رشفةً من اللامبالاة , و تبقى أشلائي على شرفةِ الهوسِ تشرئبُ انتحاراً و تكبراً , لترشقني سهامُ الوقتِ خلفَ سياجٍ من العدم .
يا صاحبي أنصت و خذ من هزل الكلامِ معاني ..
الوقتُ نحنُ يا صاحبي , و نحن بقايا أنفسنا و شرذماتها , نحن أفعالٌ و بقايا عمل فعلينا أن نرتقي بنا .
الموتُ بدايةٌ و إن لم نعِ , وكل الوقت ها هنا حِبرٌ لابد بنا أن ينقضي ..
انظر إلى الـ ( لا ) و سكونها و حدق بالـ ( نعم ) و كل الضجيج الذي تقوله , و عُد أدراجكَ إلى أنت و ابنِ من صدوعكَ سلماً بها إلى الله ترتقي ..

غريبٌ ستبقى !

غريبٌ ستبقى كأرجوحة طفل تتأرجح وسط السماء، عطش لأنت لا ترى عين الماء، مؤقت في الآن ككحل فوق رمش سمراء.

غريبٌ تتأرجح بعطش في الوقت إلى الوراء، هو أنتَ لا غيركَ تفقه شجبهم وترى في أحداقهم تراتيلَ جنازتك، و أصداءَ أنكَ لم تعد في قصيدهم سوى أهازيج رثاء.

خار الندى من فوق بتلاتكَ الحسان وبت أنتَ لا غيرك الغريب، بتَ تلاميحَ عجوزٍ قد أرهقها الكسل، أنتَ لا أنتَ وسطَ الغرابةِ وسط الحضورِ والعدم، كحبةِ تينٍ قد نضحتها أغصانٌ و ورق لتهدأ في قاعِ ظلها بينَ ترابٍ و أثر، أنتَ لا غيرك الغريب، أنتَ لا أنتَ وسطَ كل هذا الضجر
Amman 29-03-2015

https://soundcloud.com/ashw-zizou/jjj2pab0sxdr

ضوضاءُ مُبَعثَرة

دمعةٌ وعينٌ وصمتٌ كئيب، وقتٌ هزيلٌ بمن نحب، كريمٌ بضوضاءٍ مُثقِلة و غضبٌ عنيد.
وفي خلفيةِ الوقتِ يغفو عصفورٌ يُطل، و زهرُ من الياسمين، قُبلةٌ أولى وثانية وثالثة في الضوضاء تتوه، يُغردُ العصفورُ لحناً تتمايل له البتلات بغرور ، أحنو بكل ضعفي لأغنج من الكل قصيداً، أعيد بهِ رتب الوقت والتاريخ، لكن ! يبقى الوقت لا مرئياً هشاً بفرحنا وتبقى في قصيدتي دمعةٌ و عينٌ وصمتٌ كئيب.

Amman 17-03-2015

رسالةٌ إلى أنا !

محجورٌ أنا عن الكتابة إلى الحدِ الذي بِتُ به أتكِئ على اختناق أنفاسي، أُحدثُ نفسي أو هي تحادثني – لا أعلم بالضبط من البادئُ فينا بالحديث – :

  • في ظل كل هذه الفوضى الفكرية و العبثية، من الأنظمة و المنظومات الإجتماعية، لابد للحرفِ من صوتٍ يلغي الفراغَ و العبثية، صوتُ يرتدي الحضور بهيئته اللازردية الأبدية و المختلفة، صوتُ لا ينضح إلا حقاً.
  • و من هذه النقطة كانت نهاية اللامحورية و اللأداء، لتكون هي ذاتها نقطة البداية نحو الهدف في اتجاه اللاعودة، حتى أنالَ مكانتي كحرفٍ سُخرَ طاعةُ في سبيلِ الله .

 

Amman 19-02-2015

لونُ الحب

إن الإيمانَ اليقيني يحدثني بداهةً: أن اللهَ وحده صاحب الكمال المطلق الأبدي والسرمدي، و انطلاقاً من يقينيةِ هذا الإيمان و جوهرية الحب الذي أحيا به في ظِل الله، أُحدثُ نفسي أنّ أكمل المخلوقات كمالاً هو ( الحب ) دون منازعٍ أو جدليةٍ في هذا.

لذا ! فكمالية هذا الحب تفرضُ ارتباط الأشياءِ اللامتناهية و اللانطاقية به، وبالنسبة لتحديد اللون فإن لونه لا بد ألا يكونَ مؤطراً بأبعاد لونٍ هشٍ من المنطلق البشري، و محدودية النظرة البشرية أمامَ كمالية الحب، و لن يكونَ اللون قزحياً أيضاً، أو مكوناً من ألوانِ الطيفِ، أو امتزاجِ العديد من الألوان، فاجتماع القزحِ يعيدنا إلى اللون الأبيض أي إلى لونِ محدود التمازج.

من هذا كله و يقيناً مطلقاً أحدثكم: أن لونَ الحب هو لون الطهرِ اللامتناهي في العطاء والممزوج بالروحِ البشرية الأكثر سراً و عمقاً و المتصلِ بقلب الإنسانية فطرةً و طلباً و سعياً.

لون الحبِ هو الطهر .

Amman 08-03-2015